الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
يريدون ألا يا قوم ارحموا آصدُقوا، فعلى هذه القراءة {اسْجُدُوا} في موضع جزم بالأمر والوقف على {أَلاَ يَا} ثم تبتدىء فتقول: {اسْجُدُوا}.قال الكسائي: ما كنت أسمع الأشياخ يقرؤونها إلا بالتخفيف على نية الأمر.وفي قراءة عبد الله: {أَلاَ هَلْ تَسْجُدُونَ لِلَّهِ} بالتاء والنون.وفي قراءة أبيّ {أَلاَ تَسْجُدُونَ لِلَّهِ} فهاتان القراءتان حجة لمن خفف.الزجاج: وقراءة التخفيف تقتضي وجوب السجود دون التشديد.واختار أبو حاتم وأبو عبيدة قراءة التشديد.وقال: التخفيف وجه حسن إلا أن فيه انقطاع الخبر من أمر سبأ، ثم رجع بعد إلى ذكرهم، والقراءة بالتشديد خبر يتبع بعضه بعضًا لا انقطاع في وسطه.ونحوه قال النحاس؛ قال: قراءة التخفيف بعيدة؛ لأن الكلام يكون معترضًا، وقراءة التشديد يكون الكلام بها متسقًا، وأيضًا فإن السواد على غير هذه القراءة؛ لأنه قد حذف منها ألفان، وإنما يختصر مثل هذا بحذف ألف واحدة نحو يا عيسى ابن مريم.ابن الأنباري: وسقطت ألف {اسجدوا} كما تسقط مع هؤلاء إذا ظهر، ولما سقطت ألف {يا} واتصلت بها ألف {اسْجُدُوا} سقطت، فعد سقوطها دلالة على الاختصار وإيثارًا لما يخفّ وتقل ألفاظه.وقال الجوهري في آخر كتابه: قال بعضهم: إن {يا} في هذا الموضع إنما هو للتنبيه كأنه قال: ألا اسجدوا لله، فلما أدخل عليه {يا} للتنبيه سقطت الألف التي في {اسْجُدُوا} لأنها ألف وصل، وذهبت الألف التي في {يا} لاجتماع الساكنين؛ لأنها والسين ساكنتان.قال ذو الرُّمّة:
وقال الجرجانيّ: هو كلام معترض من الهدهد أو سليمان أو من الله.أي ألا ليسجدوا كقوله تعالى: {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله} [الجاثية: 14] قيل: إنه أمر أي ليغفروا.وتنتظم على هذا كتابة المصحف؛ أي ليس هاهنا نداء.قال ابن عطية: قيل هو من كلام الهدهد إلى قوله: {العظِيمِ} وهو قول ابن زيد وابن إسحاق؛ ويعترض بأنه غير مخاطب فكيف يتكلم في معنى شرع.ويحتمل أن يكون من قول سليمان لما أخبره الهدهد عن القوم.ويحتمل أن يكون من قول الله تعالى فهو اعتراض بين الكلامين وهو الثابت مع التأمل، وقراءة التشديد في {ألاّ} تعطي أن الكلام للهدهد، وقراءة التخفيف تمنعه، والتخفيف يقتضي الأمر بالسجود لله عز وجل للأمر على ما بيناه.وقال الزمخشري: فإن قلت أسجدة التلاوة واجبة في القراءتين جميعًا أم في إحداهما؟ قلت هي واجبة فيهما جميعًا؛ لأن مواضع السجدة إمّا أمرٌ بها، أو مدحٌ لمن أتى بها، أو ذم لمن تركها، وإحدى القراءتين أمر بالسجود والأخرى ذم للتارك.قلت: وقد أخبر الله عن الكفار بأنهم لا يسجدون كما في الانشقاق وسجد النبي صلى الله عليه وسلم فيها، كما ثبت في البخاري وغيره فكذلك النمل.والله أعلم.الزمخشري: وما ذكره الزجاج من وجوب السجدة مع التخفيف دون التشديد فغير مرجوع إليه.{الذي يُخْرِجُ الخبء} خَبْء السماء قطرها، وخَبْء الأرض كنوزها ونباتها.وقال قتادة: الخَبْء السر.النحاس: وهذا أولى.أي ما غاب في السموات والأرض، ويدلّ عليه {مَا يُخْفُونُ وَمَا يُعْلِنُونَ}.وقرأ عكرمة ومالك بن دينار: {الخب} بفتح الباء من غير همز.قال المهدوي: وهو التخفيف القياسي؛ وذكر من يترك الهمز في الوقف.وقال النحاس: وحكى أبو حاتم أن عكرمة قرأ: {الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبَا} بألف غير مهموزة، وزعم أن هذا لا يجوز في العربية، واعتلّ بأنه إن خفّف الهمزة ألقى حركتها على الباء فقال: {الْخَبَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} وأنه إن حوّل الهمزة قال: الْخَبْيَ بإسكان الباء وبعدها ياء.قال النحاس: وسمعت علي بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد يقول: كان أبو حاتم دون أصحابه في النحو ولم يلحق بهم إلا أنه إذا خرج من بلده لم يلق أعلم منه.وحكى سيبويه عن العرب أنها تبدل من الهمزة ألفًا إذا كان قبلها ساكن وكانت مفتوحة، وتبدل منها واوًا إذا كان قبلها ساكن وكانت مضمومة، وتبدل منها ياء إذا كان قبلها ساكن وكانت مكسورة؛ فتقول: هذا الْوَثْوُ وعجبت من الوَثْيِ ورأيت الْوَثَا؛ وهذا من وَثِئَت يدُه؛ وكذلك هذا الْخَبْوُ وعجبت من الخَبْيِ، ورأيت الخَبَا؛ وإنما فعل هذا لأن الهمزة خفيفة فأبدل منها هذه الحروف.وحكى سيبويه عن قوم من بني تميم وبني أسد أنهم يقولون: هذا الخبأُ؛ يضمون الساكن إذا كانت الهمزة مضمومة، ويثبتون الهمزة ويكسرون الساكن إذا كانت الهمزة مكسورة، ويفتحون الساكن إذا كانت الهمزة مفتوحة.وحكى سيبويه أيضًا أنهم يكسرون وإن كانت الهمزة مضمومة، إلا أن هذا عن بني تميم؛ فيقولون: الرِّدِيءُ؛ وزعم أنهم لم يضموا الدال لأنهم كرهوا ضمة قبلها كسرة؛ لأنه ليس في الكلام فِعُلٌ.وهذه كلّها لغات داخلة على اللغة التي قرأ بها الجماعة؛ وفي قراءة عبد الله {الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبَا مِنَ السَّمَوَاتِ} و{من} و{في} يتعاقبان؛ تقول العرب: لأستخرجنّ العلم فيكم يريد منكم؛ قاله الفراء.{وَيَعْلَمُ مَا يُخْفُونَ وَما يُعْلِنُونَ} قراءة العامة فيهما بياء، وهذه القراءة تعطي أن الآية من كلام الهدهد، وأن الله تعالى خصّه من المعرفة بتوحيده ووجوب السجود له، وإنكار سجودهم للشمس، وإضافته للشيطان، وتزيينه لهم، ما خص به غيره من الطيور وسائر الحيوان؛ من المعارف اللطيفة التي لا تكاد العقول الراجحة تهتدي لها.وقرأ الجحدريّ وعيسى بن عمر وحفص والكسائي: {تُخْفُونَ} و{تُعْلِنُونَ} بالتاء على الخطاب؛ وهذه القراءة تعطي أن الآية من خطاب الله عز وجل لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.{الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ رَبُّ العرش العظيم} قرأ ابن محيصن {العظِيمُ} رفعا نعتًا لله.الباقون بالخفض نعتًا للعرش.وخص بالذكر لأنه أعظم المخلوقات وما عداه في ضمنه وقبضته. اهـ.
|